عزاء وذكرى

ما أسرع مرور الأيام والليالي، وما أشدّ فواجع الدهر ومفاجآته، وما أعجبك يا ابن آدم؛ كم تظنّ أنك في منأى عن الحادثات، ألا ترى كم يختطف الموت من أصدقاء وأحباب، لم يتعرّضوا لأسباب الهلاك الظاهرة التي نراها مؤدّية إلى الموت كالمرض، ولكن تعرّضت لهم أسبابٌ أخرى، تأتي أشكالاً وألواناً، وكلّها تؤدّي إلى نتيجةٍ واحدة هي الفراق الأبدي إلى يوم الدين.

ها نحن اليوم بصدد سببٍ التهم أجمل ورودنا، ذلك الفتى النبيل عبدالرحمن محمد الذي ما عرفناه إلّا ضاحكاً باسماً، يتفانى في عمله، ويفيض على إخوانه من أخلاقه وسلوكه، حتى ظهر كل ذلك على إخوانه وأصدقائه بعد فراقه؛ إذْ افتقد الجميع حضوره الرائع بكل معانيه، كما سيفتقده مكانه الذي ملأه بكل جدارة، سيظل يذكره بخيرٍ في عمل الخير، ويدعو له بالرحمة في مؤسسة الرحمة، فلقد كان فيها أحد أجمل اللّبنات، يشهد له رئيسه وفريق عمل القطاعات…

فقدٌ وحبٌ تحمله نفوسٌ عرفتْه وتعاملت معه فرأته مثالاً قلّ نظيره، يتمتّع به … رغم بعده عن أهله وذويه، فما أوجع الغربة بعد الغربة؛ يحكيها فراقاً عنهم إلى غير رجعة، وما عسى زوجته المكلومة أن تفعل، وكيف لصغاره أن يفوزوا بنظرة منه أو بضمّة أو بشمّة! هل يمكن أن يشعر بمثل هذا لئيمٌ كان هو السبب في موته بتهوّره، وهل بينه فرقٌ وبين درّاجته تلك التي ينهب بها الأرض لا تعرف رحمةً ولا يملك هو قلب أو عقل أو مروءة، ولو ملك ذرّةً واحدةً لما تركه يعاني وتنزف دماؤه بعد الصدمة، ويلوذ هو بالفرار والنجاة بجلده، ولكن هيهات أن يتمّ له قصده، أو يكمل شرّه، فإن ربك له ولأمثاله بالمرصاد، وأما … فسيمثل بين يدي رحمنٍ رحيم ولكن علينا بالدعاء، وأمّا زوجته وصغاره فلهم المولى الكريم ولكن علينا ببذل حقّ الصحبة والأخوّة، وأمّا نحن فحسبنا الله ونعم الوكيل، ويكفينا – إن عقلنا- هذه الحادثة عظة وعبرة وتذكرة.

والسلام