الإمضاء .. رضا

إمضاء الأمر يعني إجازته وإنفاذه، والإمضاء أو التوقيع على الأمر يعني الرضا بما فيه، وهذه الجزئية كغيرها من الجزئيات والفنون التي تطوّرت مع تطوّر العلم، وأخذت أبعاداً في أشكالها ومضامينها ونتائجها، لكن يبقى أن له أهميته؛ تماماً كأهمية الكتاب الذي يُرفع وأهمية ما فيه، وحيث أن القلم أحد اللسانين، وهو كما قيل (بالأقلامِ تُساسُ الأقاليم) و (عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها‏)؛ فإنه لا فرق بين القلم والسيف، بل يكون القلم أشدّ مضاءً، وأظهر إمضاءً، وما أهميته إلا من أهمية ما يخطّه ويكتبه، ولذلك قيل (الحروف تجرّ الحتوف)، فهي على كل حالٍ جارّة، فإما إلى الخير وإما إلى الشرّ، إما أن تكون مفاتيح لهذا أو لذاك، ولا تكون غالباً كذلك إلا بالإمضاء والتوقيع، خاصةً إن كانت كلمات مسؤولة، بحكم الُمرسِلِ والمُستقبِل والرسالة، وكذا بحكم الجهة التي تمثّلها، والموضوع الذي تحمله، 

وهنا تكمن خطورة الإمضاء وأهميته، فلا يصحّ إطلاقاً أن يمرّ كتاب بإمضاءٍ دون أن يتم التدقيق فيه؛ ضبطاً وربطاً، صيغةً وحُكماً، اقتباساً وعزواً، فقد يكون الخلل في اللغة أو الإملاء أو الصياغة أو المعلومة، ولا بد أن يضطلع المسؤول بدوره كما يجب، ولا يوقع إلا على شيءٍ يرتضيه، ويشعر أنه يمثله ويمثّل شخصيّته، ويدلّ على دقّته وجودة ملاحظته، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الوقت أو العمل، إذْ نكون بذلك قد فررنا من خطأ العشوائية والسرعة والخلل، إلى خطأ التأخّر وتأخير العمل، ولا بد من الموازنة والانتباه، مع المحافظة على الثقة واستشعار المسؤولية، وفعل كل شيءٍ في محلّه وفي وقته دون إفراط أو تفريط، 


فإمّا التدقيق قبل الإمضاء مع إنفاذ الأمور بسرعة وفي وقتها دون تأخّر، وإما التفويض في التوقيع مع بقاء الأمانة والمسؤولية والمراقبة المناسبة.