أنت الحياة يا أماه

 

هل تتخيّل أن ترى فؤادك يقفز من صدرك يوماً؛ ليمشي أمامك مرتعشاً مُرهقاً، بينما تحملق فيه بعيون البائس العاجز، ثم لا تدري أيكما سيكون أسرع تهاوياً من الآخر!!

ICUأيها الدنيا؛ هذه الصورة هي أقلّ بكثير من رؤية الأم واهنة القوى، تتناوشها الآلام، ويجثم عليها هرَم الزمان. برغم أن أمي وقرّة عيني لم تشكُ الألم، مغالَبةً للحوادث، ورحمةً للأولاد من أن تشغلهم بحادث… هكذا هو تفكيرها وما هداها إليه عقلها، برغم اجتهادنا جميعاً لتوفير كل ما ترتاح له، وتسابقنا لفعل كل ما ترضاه، إلا أن كبريائها أبى أن يدفع لسانها للقول، حتى ولو كانت تعاني من مرضٍ شديد…

سامحك الله يا أماه بل سامحَنا، وهل يجب إلا أن نكون بعد الله أركانك السبعة!

فبينما أنا في عملي منهمك، كانت أمي تمشي الهوينا، وأنفاسها تتردد في عجلة، موحية بأن ذاك الجسم فيه علّة بل علل، منها الظاهر ومنها الخفي- رغم كل هذا تتصل بي في الصباح تسألني عن صحتي من مرض بسيط ألمً بي –  مما حدا بأختي وأخي – رعاهما الله – أن يذهيا بها فوراً إلى الطبيب، وحين رآها قرر بقاءها في المستشفى ونقل الدم لها. فاجأنا أمر الفصيلة؛ حيث قال الطبيب أنه لا بد أن يكون الدم صافياً جداً نظراً للحالة التي تمرّ بها، وبرغم كثرة المتبرّعين بالدم – جزاهم الله خيراً- إلا إن الحصول على الفصيلة كان أمراً صعباً.

unnamed (3)

ومكثنا على هذه الحال أياماً عصيبة، حتى تذكّرت أمر الصدقة وفضلها في تفريج الكُرب، وشعرَت بذلك أمي –حماها الله-  وفوراً أخذت هاتفها وهي منهكة وقامت بتحويل تبرع سخي للرحمة العالمية، وحدث العجب مباشرةً؛ إذ وصلنا هاتف من أخي من بنك الدم الكويتي يفيد بأنه سيصلنا ثلاثة أكياس من الدم المطلوب، وحينها أيضاً اتصل بي مدير مشفى السلام ، يطلب أن يتم نقل أمي إليهم؛ نظراً لجودة المشفى وخدماته، وفي الحال بعث إلينا سيارة الإسعاف المجهّزة وطبيب مختص ، وحين رآها الطبيب الجديد قرّر إدخالها العناية المركّزة بسبب النزيف الداخلي الذي لا يعلمون سببه، وبقيت فيه لمدة يومين، ينقلون لها الدم؛ ليتسنّى لهم عمل المنظارلمعرفة السبب ومعالجته، وبحمد الله توصلوا للسبب وهي قرحة في المعدة وزوائد لحمية – حميدة والحمد لله – في القولون.

sleep

سبحان الرحمن الرحيم، لقد كان أمر الصدقة عجيب حقاً، جعلنا نُكبر ذلك جداً، بعد أن رأينا أمي على فراش الموت، وهي تقول: هذا آخر تبرع وأشعر أني لن أعود إلى البيت،

unnamed (5)

لكنك بحمد الله عُدتِ يا أمي إلينا، عُدتِ وقد شعرنا بالتقصير تجاهك، وتعاهد سبْعتُنا أن نجتهد أكثر في خدمتك ورعايتك، ولك طاعتنا وشكرنا وكل أرواحنا وما نملك يا أماه، فقد كنت سبباً في وجودنا، كما كنت اليوم سبباً في شعور أولادك جميعاً بالألفة والاجتماع حولك. ما أعظمك يا أماه في كل أحوالك، ما أعظمك في شبابك وهرمك، ما أعظمك في صحتك وسقمك، فأنت في كل حالٍ تبثّين الرحمة والحنان، وفي كل نفَسٍ تبعثين الحب والدلال، وفي كل نظرةٍ ترسمين الروعة والجمال… رعاك الله يا أماه.

 

فيلم قصير عن ست الحبايب